هذا كتاب قد شغل القوم، وذهبوا فيه مذاهب شتى، لغموض معانيه، وإيهام مراميه، فقد عرض فيه تحت ستار الرموز الفلكية الأنوارَ التي يمنحها الله الصوفي في مراحل طريقه. فكان لا بدّ من شارح لألفاظه، موضح لجمله وتراكيبه، ضابطٍ لأهدافه ومقاصده. وما كان يحتاج لهذا كلّه لولا أنّ مؤلفه ابن عربي نوّه لأهميته، وضرورة قراءته. ووجد القومُ صدقَ ما قال، فسعوا إلى الاستفادة من كل حرف زخرف بالنجوم، ومن كل كلمة أحاطتها الشموس.
لما شاء الحق سبحانه وتعالى أن يُبرزَ هذا الكتابَ إلى وجوده، ويُتحفَ خلقَه بما اخترته لهم من لطائفه وبركاته في خزائن وجوده، على يدي من شاء من عبيد الله، حرّك خاطري إلى إنضاء المطيّة من مُرْسِيَةَ إلى المَرِيَّة، فامتطيتُ الرحال، وأخذتُ في التِّرحال مُرافقاً أطهرَ عصبة، وأكرمَ فئة سنة خمسٍ وتسعين وخمس مئة، فلمَّا وصلتها لأقضي أموراً أمّلتها، تلقَّاني رمضانُ المعظّم بهلاله… فبينا أنا أتبتّلُ وأتخشَّع في بيوت أذنَ اللهُ أن تُرفع، إذْ أرسل إليّ الحقُّ سبحانه وتعالى رسول إلهامه، ثم أردفه مؤيِّداً بما أوحى للابن التقيِّ في منامه، فوافق المنام الإلهام، ونظم عقد الحكم في هذا الكتاب أبدع نظام، وعلمت عند ذلك أنّي كما ذكرته من شاءَ من عبادِهِ في إبراز هذا الكتاب وإيجاده، وأنّي الخازنُ على هذه المعالم والمتحكِّم في هذه المراسم، فنفث في روعي روحه القدسي، وطلع بأفق سماء همّتي بدره الرفيع النّدسي، فانبعثَ الروحُ العقلي لتصنيفه، وتوفرَّت دواعيه لتأليفه، ونظر الروح الفكري في تكفييه الرفيع، وحسن نظمه البديع.